الفكر الاقتصادي في الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية)
قامت هذه الحضارة في شمال شرق القارة الأفريقية، وبشكل خاصّ على ضفاف نهر النيل العظيم في جمهورية مصر العربية حاليًّا، وهي حضارة موغلة في القدم امتدَّت لما يقارب ثلاثة آلاف سنة (ما بين سنتي3150 قبل الميلاد و320 قبل الميلاد)، تطوّرت خلالها تطوُّرًا كبيرًا،وكان أحد أسباب نجاح الحضارة المصرية بداية تمركزها في منطقة وادي النيل، حيث توفّرت جميع المقومات اللازمة لنجاح العمل بالزراعة، وأسهمت التنبؤات بحدوث الفيضانات بالتحكم والسيطرة على المحاصيل الزراعية والمحافظة عليها، وأسهمت المحاصيل الوفيرة في زيادة التنمية الثقافية والاجتماعية، وتمَّ استخراج كثير من المواد المعدنية المتوفرة في منطقة الوادي والصحاري المحيطة، وتمَّ اختراع نظام كتابة خاص بالمصريين، ونظِّم العمل الجماعي سواءً في أعمال البناء أو في الأعمال الزراعية، وتطورت حركة التجارة مع الدول والمناطق المجاورة، كما تمَّ الاهتمام بالتجهيزات العسكرية لتأكيد سيطرة الفراعنة على البلاد وللدفاع عن أرض مصر ومقاومة الغزاة.
خصائص التنظيم الاقتصادي والفكر الاقتصادي للحضارة المصرية 1[1]:
عرفت الحضارة المصرية القديمة تقدما وازدهارا منقطع النظير، ومثلت بمعالمها الأثرية الشامخة أقصى ما بلغه التقدم الإنساني في عصر ظهورها، واشتملت على أبعاد اقتصادية مختلفة لا يمكن تجاهلها، إلا أن الفكر الاقتصادي بها لم يكن مقصودا لأن يكون فكرا اقتصاديا أو يشكل مدرسة فكرية مستقلة، ولم يشهد اسهامات فكريةواضحة، وهو ما يمكن التطرق له فيما يلي، من خلال أهم ما ميز التنظيم الاقتصادي والفكر الاقتصادي في الحضارة المصرية:
- كان اقتصاد البلاد اقتصادا زراعيا في المقام الأول ويعتمد بدرجة كبيرة على نهر النيل؛
- كانت الدولة تمتلك وسائل الإنتاج لاسيما الأراضي،والتي هي أساس النشاط الاقتصادي، وسخرت الفلاحين لإسناد الاقتصاد الزراعي؛
- كانت قوى الإنتاج متطورة بالقياس إلى الدول المجاورة (الشرقية) والمنتجون هم الفلاحون،ولم يوجد تقسيم مهني للعمل، باستثناء تقسيم العمل بين الإنتاج الزراعي والحيواني،كما انتقى المصريون القدامى محاصيل معينة تستخدم بشكل دوري بالمبادلة مع محاصيل أخرى على نفس وحدة الأرض وهو يسمى بالوقت الحالي بالدورة الزراعية 3[2]؛
- كان النشاط التجاري في العهد الفرعوني نشاطاً ثانوياً وهامشياً،حيثكانت التجارة الداخلية محدودة النطاق وتتم بشكل دوري (أسبوعيا مثلا)، فقد طغى طابع الاقتصاد الطبيعي والاكتفاء الذاتي؛
- كان اقتصاد الحضارة الفرعونية بداية قائماً على نظام المقايضة، ثم تم الانتقال لاحقا الى استخدام المعادن النفسية حيث أصبحت
قيمة الأشياء توزن أو تقيم على أساس سبائك الذهب، ثم جرى التدرج إلى أن تم التوصل الى العمل بالنقود على شكل دراهم
مسكوكة، وذلك في عهد سيدنا يوسف عليه السلام؛
- كان للمؤسسة الدينية دور مهم في الحضارة المصرية، حيث ساهم الكهنة في تقوية الدولة من خلالمتابعتهم لمختلف شؤون الدولة، ويعدون من أملاك الفرعون فللفرعون ملكية العبيد والاحرار؛
- كان الإقراض بفائدة محرما ما بين العبرانيين ومجازا من غير العبراني، حسب القوانين القديمة للمصريين؛
- كان يتم فرض الضرائب على الأقاليم التابعة لمصر على أن تجبى حصيلتها لصالح الفرعون الحاكم، وعادة ماتكون في صورة عينية وليس نقدية؛
- وقد كان المجتمع الفرعوني ينقسم الى طبقتين وهي 1[1]:
الطبقة الحاكمة: وهم القادة الذين يمارسون السلطة وبيدهم قرارات الدولة كالفرعونوكبار الموظفين والجيش والكهنة.
طبقة المحكومين: ويعدون عبيدا للدولة وليس لفرد معين، وهناك عبيد مرموقين ليس لهم حقوق وهم الذين يعملون للدولة بأجر، وهناك مجموعة من الحرفيين الذين يمارسون العمل اليومي ويحتاج لهم عموم الناس بالإضافة للدولة كالبَناء مثلاً؛
- اقتصرت الكتابات المصرية القديمة على تسجيل بعض الأفكار الفلسفية والدينية ونظام الحكم؛
- مهمة الطبقة الحاكمة كانت الإشراف وممارسة الأعمال التنظيرية والفكرية، لأن الفراعنة كانوا يعتقدون بأنهم متفوقون على الشعب بالمجالات العلمية والمعرفية والثقافية؛
- لم يكن هناك فكر اقتصادي واضح يفسر الظواهر الاقتصادية، وإن وجد فإنه لم يكن مقصودا، ومجمل الأفكار كانت مرتبطة بالجانب الديني والفلسفي والأخلاقي، والتي عمل كهنة المعابد على إيصالها للأفراد حسب ما يخدم مصالحهم ومصلحة الملك 2[3].