الفكر الاقتصادي في الحضارة البابلية
تعتبر الحضارة البابلية التي ظهرت في العراق ما بين القرنين "18 ق.م - 6 ق.م"، من أقدم الحضارات في التاريخ، واكتسبت هذه الحضارة أوج ازدهارها عندما حكمها الملك المشهور "حمورابي"، وقد شهدت فترة حكمه التي دامت قرابة 42 عاما (تقريبا من 1792 ق م إلى 1750 ق م)؛ ازدهارا شاملا في جميع المجالات الدينية والسياسية والاقتصادية، وأسس مجتمعاً قام على حكم القانون ومهارة علماء الفلك والرياضيات.(جمال، 2018، صفحة 6)غير أن شهرة حمورابي ذاعت في الواقع من تشريعاته الإدارية والقانونية، والتي عرفت بـ "قانون حمورابي"الذي تضمن 282 مادةشملت بعض الجوانب الاقتصادية. ويمكن ذكر أهم ما تضمنته شريعة حمورابي فيما يلي 1[1]:
- القضايا المتعلقة بالأمن والقضاء وحقوق المحاربين ومسؤولياتهم؛
- القضايا المتعلقة بالزراعة ونشاط الري، وذلك كون النشاط الزراعي هو النشاط الاقتصادي الرئيس؛
- القضايا المتعلقة بالقروض وشروط الإقراض، والأموال الشخصية بما تتضمنه من مواريث وغيرها؛
- تنظيم التعامل بالفائدة ووضع حد أعلى لسعر الفائدة لا يجب تجاوزه؛
- قسمت شريعة حمورابي المجتمع إلى ثلاث طبقات رئيسية هي:
- طبقة الأحرار والأفاضل والسادة من الناس.
- طبقة عامة الشعب الأحرار، ويدخل ضمنهم الصناع والحرفيون الأحرار، وهذه الطبقة ليست من السادة ولا من الأرقاء.
-طبقة الأرقاء أو العبيد وهي أقل الطبقات شأنا في المجتمع، وتشكل غالبية السكان.
- عرفت شريعة حمورابيبأنها كانت تهدف لحماية الضعيف من القوي، وبالمساواة والعدالة، إلا أن طبقة العبيد كانت مستثناة من هذه العدالة، حيث كانت مضطهدة ومحرومة من جميع الحقوق، كما أكدت الشريعة على حق الأحرار في امتلاك العبيد والتصرف المطلق بهم، كما يجب استخدامهم في شن الحملات، فالعبد وفق القوانين البابلية محروم من جميع الحقوق الإنسانية، وهو مجرد مال أو أداة من أدوات الإنتاج.
أهم الجوانب الاقتصادية في الحضارة البابلية:
من أهم الجوانب الاقتصادية التي صاحبت الحضارة البابلية ما يلي 1[2]:
- اهتم ملوك هذا العصر بالزراعة عن طريق تطوير الأساليب الزراعية لاسيما في فترة حكم الملك حمورابي، إذ قام بتطوير الزراعة عن طريق تنظيم ملكية الأراضي الزراعية وتوزيعها، وإيجارها وعدم استغلال الأفراد لحقوقهم، وإنشاء مشاريع الري وحفر القنوات الجديدة وتطهير القديمة منها؛
- كان يتم استغلال الفائض من الإنتاج في تنمية الهيكل الاقتصادي العام،كما تعد تربية الحيوانات عاملا مهما في ازدهار الاقتصاد في هذا العصر؛
- ازدهرت الصناعة لاسيما بعد زوال سلطة المعبد، فأصبحت الكثير من المهن والصناعات خاصة بأفراد وعوائل معينة بسبب بقاء أسرار المهنة والحرفة محصورة بين أفراد العائلة، ولا يقتصر العمل على الرجال والنساء البالغين بل شمل الأطفال أيضا؛
- تؤكد العقود والوثائق التجارية المختلفة التي عثر عليها، والتي تشمل المعاملات التجارية كمعاملات البيع، الشراء، الإيجار، القرض والصيرفة على تطور التجارة عما كانت عليه في العصور السابقة؛
- بينت القوانين لاسيما قانون حمورابي عن مدى الحرية التي منحتها الدولة للتجار لأجل القيان بنشاطاتهم التجارية؛
-دفعت العلاقة بين التجار إلى التكتل وتأسيس ما يشبه النقابات في وقتنا الحاضر؛
- والجدير بالذكر أن المرأة أيضا كانت تشارك في الأعمال التجارية المختلفة وأيضا كان يحق لها التصرف بأملاكها بحرية تامة، لكن لم تصل إلى مركز الرجل في التجارة.
- من أهم الموضوعات التي وجدت مكتوبة كانت تدور حول وثائق اقتصادية تتضمن إحصاءات عن المعابد وممتلكاتها من حقول وماشية، ودخول تلك المعابد من مختلف السلع العينية، كما كانت تتضمن المخصصات اليومية لكل فرد على حدى.
وخلاصة القول أن الحضارة البابلية شهدت جانبا كبيرا من التقدم والازدهار في مختلف المجالات ومنها الجانب الاقتصادي، وبصدد الحديث عن الفكر الاقتصادي في هذه الحضارة، فإنه لم يظهر فكر اقتصادي صريحفي ظل هذه الحضارة يهتم بدراسة الظواهر الاقتصادية ويفسرها بشكل علمي دقيق.